كلمة الحكمة في القرآن الكريم.. قَبَسٌ مِنْ نُورِ القُران

كلمة الحكمة في القرآن الكريم

منهج حضارة

الجزء الأول

 

وردت كلمة الحكمة ومشتقات الجذر (ح ك م) 210 مرة في 189 آية في 57 سورة من القرآن الكريم. وقد تكررت كلمة الحكمة/حكمة 20 مرة في 19 آية في 12 سورة، وقد وردت مرتين بصيغة النكرة والباقي معرفة بأل التعريف. أما كلمة الحكيم/حكيم فقد وردت 97 مرة في 97 آية وهي تحتاج إلى بحث مستقل.

سيشتمل هذا البحث بالإضافة إلى كلمة الحكمة/حكمة على كلمة الحكم/حكم والتي جاءت في سياق العطاء أو الإنزال أو الهبة الإلهية لعبد من عباده المصطفين الأخيار (أي سبقت بكلمة آتى، أنزل، وهب)، وهي تشمل 11 كلمة في 11 آية، في تسع سور، فيكون مجموع الكلمات 31 كلمة في 30 آية في 19 سورة.

 

(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) البقرة 129

(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) البقرة 151

(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة 231

(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة 251

(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) البقرة 269

(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) آل عمران 48

(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران 81

(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) آل عمران 164

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) النساء 54

(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ۚ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) النساء 113

(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) المائدة 110

(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل 125

(ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۗ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا) الإسراء 39

(وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) لقمان 12

(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الأحزاب 34

(وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) ص20

(وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) الزخرف 63

(حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ۖ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) القمر 5

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) الجمعة 2

 

(مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) آل عمران 79

(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) الأنعام 89

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) يوسف 22

(وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) الرعد 37

(يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) مريم 12

(وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ ۗ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ) الأنبياء 74

(فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) الأنبياء 79

(فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) الشعراء 21

(رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) الشعراء 83

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) القصص 14

(وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) الجاثية 16

 

المعنى اللغوي والاصطلاحي:

المعنى اللغوي:

الحَكَمَةُ: ما أحاط بحَنَكَي الفرس، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّها تمنعه من الجري الشَّديد، وتُذلِّل الدَّابَّة لراكبها، حتى تمنعها من الجِماح، ومنه اشتقاق الحِكْمَة؛ لأنَّها تمنع صاحبها من أخلاق الأراذل.

وأَحْكَمَ الأَمْرَ: أي أَتْقَنَه فاستَحْكَم، ومنعه عن الفساد، أو منعه من الخروج عمَّا يريد.

 

المعنى الاصطلاحي:

قال أبو إسماعيل الهروي: الحِكْمَة اسم لإحكام وضع الشيء في موضعه.

وقال ابن القيِّم: الحِكْمَة: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي.

وقال النَّووي: الحِكْمَة، عبارة عن العِلم المتَّصف بالأحكام، المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النَّفس، وتحقيق الحقِّ، والعمل به، والصدِّ عن اتِّباع الهوى والباطل، والحَكِيم من له ذلك.

وتنقسم الحِكْمَة من حيث الأصل إلى قسمين:

  • حكمة فطرية: يؤتيها الله عز وجل من يشاء، ويتفضَّل بها على من يريد، وهذه لا يد للعبد فيها.
  • حكمة مكتسبة: يكتسبها العبد بفعل أسبابها، وترك موانعها، فيسهل انقيادها له، وتجري على ألفاظه التي ينطق بها، وتكتسي بها أعماله التي يفعلها، ويشهدها النَّاس على حركاته وسكناته.

 

والحكيم في معاجم اللغة العربية هو الشخص الذي يتصف بالروية والرأي السديد في القول والفعل، فلا يقول إلا صواباً، ولا يفعل إلا ما هو صحيح ومعقول بعيداً عن قرارات العاطفة، والحكيم اسم من أسماء الله جل وعلا، وصفة من صفاته قد يختص بها من يشاء من عباده. ويحافظ الحكماء على هدوئهم في أوقات الأزمات، وهم قادرون على الرجوع خطوة للوراء والنظر إلى الصورة بشكل أشمل. فهم عميقو التفكير، ويجيدون التأمل في قدرات الذات، ويدركون حدود معرفتهم الخاصة، ويفكرون في البدائل، ولا ينسون أن العالم يتغير على الدوام.

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلِّمها” (رواه البخاري ومسلم). وقال النَّووي: “ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلِّمها، معناه: يعمل بها ويعلِّمها احتسابًا

وقال أرسطو: “الحكمة رأس العلوم والأدب والفن، هي تلقيح الأفهام ونتائج الأذهان”. و قال أفلاطون: «الفضائل الأربعة هي الحكمة، العدالة، الشجاعة، الاعتدال”. وقال أيضا: ”نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر”. وقال هيجل: “الحكمة هي أعلى المراتب التي يمكن أن يتوصل إليها الإنسان فبعد أن تكتمل المعرفة ويصل التاريخ إلى قمته تحصل الحكمة، وبالتالي فالحكيم أعلى شأنا من الفيلسوف، والحكمة هي المرحلة التالية والأخيرة بعد الفلسفة. إنها ذروة الذرى وغاية الغايات وهنيئا لمن يتوصل إلى الحكمة والرزانة”. وسئل سقراط: “لماذا اخترت أحكم حكماء اليونان؟”، فقال: ”ربما لأنني الرجل الوحيد الذي يعترف أنه لا يعرف”. وقد قال وهب بن منبه: “أجمعت الأطباء على أنَّ رأس الطبِّ: الحِمْيَة، وأجمعت الحُكَماء على أنَّ رأس الحِكْمَة: الصَّمت”.

 

بالتأمل في المجموعة الأولى من الآيات التي تضمنت كلمة الحكمة نجد أنها تنقسم إلى قسمين: تعليم الحكمة، عطاء الحكمة، وبدوره فقسم تعليم الحكمة ينقسم إلى تعليم الله للحكمة وتعليم الرسول للحكمة كما يلي:

القسم الأول: تعليم الحكمة:

أ‌.          تعليم الله الحكمة لرسله: آل عمران 48، المائدة 110،

ب‌.        تعليم الرسول الحكمة للناس: البقرة 129، 151، آل عمران 164، النحل 125، الأحزاب 34، الزخرف 63، القمر 5، الجمعة 2.

القسم الثاني: عطاء وهبة الله الحكمة: البقرة 231، 251، 269، آل عمران 81، النساء 54، 113، الإسراء 39، لقمان 12، ص20

المجموعة الثانية التي تضمنت كلمة الحكم/حكم نجد أنها تنقسم أيضا إلى قسمين:

أ‌.   عطاء وهبة في سياق التكوين الخاص للرسل: يوسف 22، مريم 12، الشعراء 21، 83، القصص 14

ب‌.   إيتاء (عطاء) في سياق التدافع والدعوة: آل عمران 79، الأنعام 89، الرعد 37، الأنبياء 74، 79، الجاثية 16.

 

وسنبدأ الآن مع المجموعة الأولى التي تضمنت كلمة الحكمة:

القسم الأول: تعليم الحكمة:

أ‌.   تعليم الله الحكمة لرسله:

ومع الآية 48 من سورة آل عمران: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ)

تأتي هذه الآية في سياق البُشرى التي جاءت بها الملائكة إلى مريم والتي بدأت من الآية 45 بكونها أمًّا لعبد الله ورسوله: المسيح عيسى بن مريم دون أب، (وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةً) – المؤمنون 50 – ، وتضمنت البشرى بعضا من خصائص هذا النبي الأخير لبني إسرائيل من بني إسرائيل: وجيها في الدنيا والآخرة، يكلم الناس في المهد وكهلا، وكونه من المقربين والصالحين، وهو أيضا المبشِّر بالنبي الخاتم للناس أجمعين (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ ) – الصف 6 – ، ثم جاء الحديث في هذه الآية عن إعداد الله لهذا العبد الصالح المقرب لحمل رسالته إلى بني إسرائيل: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، الخطوة الأولى في الإعداد هي التعليم: وبدأ بتعليمه الكتاب: والمقصود به الكتابة على الأرجح من أقوال المفسرين، فقد اشتهر الزمان الذي بعث فيه عيسى u  بالمهارة في الكتابة والعلوم الكلامية والحياتية، فكان تعليمه هذا الجانب لكي يكون قادرا على القيام بالمهمة فيهم: ولا ننسى أهمية الكتابة والتعليم بالقلم، فالله تعالى القائل في أول ما أنزل من القرآن (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ،، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) – القلم 4،5 – ، إضافة إلى الآيات العديدة التي أشارت صراحة إلى الكتابة، وأضاف إلى الكتابة: الحكمة، وهي أرقى درجات المعرفة الإنسانية، وهي جامعة لكل ما سبقت الإشارة إليه في التعريف اللغوي والاصطلاحي، والذي يعلمها للعباد المصطفين الأخيار من الرسل هو الحكيم المتعال، هو الله الحكيم الخبير، فتتكون لديهم الملكات المؤهلة لهم للدعوة إلى الله في أحلك الظروف التي تستدعي إرسال الرسل كي يُخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، وبهذه الحكمة يكونون مؤهلين لاستقبال الكتب السماوية التي ينزلها الله عليهم، (وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) فكان من قدر الله تبارك وتعالى أن يُعلِّم رسوله عيسى بن مريم التوراة أولًا، لأنه رسول إلى بني إسرائيل، وهم مَن عَلِمَ التوراة وكتبها، ولكنهم حرفوها عن مواضعها (مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ..) – النساء 46 – ليكون أعلمهم بالتوراة الصحيحة التي أنزلها رب العزة طاهرة خالصة من تحريفاتهم، وليكون حجة عليهم، ثم يمن الله عليه بكتاب هو الإنجيل خاصا به عليه السلام، تخفيفا عنهم من الأغلال التي وضعت عليهم، (وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ..) – آل عمران 50 – ، هذا هو المنهج الرباني في إعداد الرسل للقيام بالمهام العظام التي تلقى على كواهلهم، إنها أشرف الأمانات التي حملها الإنسان، إعادة الحق إلى نصابه، والناس إلى دين ربهم، وتوحيد الربوبية والألوهية نقية من كل الشوائب، وهذا مصداق لقوله تعالى عن موسى u (…وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي)، فالحكمة هي جماع أمور الخير، كما سيأتي في الآيات القادمة في هذا البحث، وهي التي يجب على كل من سار على نهج الرسل في التصدي للتغيير الاجتماعي أن يحرصوا على سلوك كل السبل الموصلة إليها، (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) – الرعد 11 . فهذا مما يحقق الأصل الثاني من الحكمة وكونها مكتسبة بالكدح المتواصل لتحصيلها، وهو ما يشير إليه أحد المفكرين في العصر الحديث بقوله: بالقراءة التي تلتهم نور الأبصار، والتي تصل بالإنسان إلى الوعي العميق والفهم الدقيق للواقع المعاصر: أفكاره وتاريخه ومشكلاته، فيكون المفكر والعالم والداعية قادرا على التصدي لمهمته في اتباع رسالة الرسل في التغيير، وفي نفس الوقت فهي تحقق ما توصل إليه علماء علم الإدارة حين تحدثوا عن نظريات تكوين القادة، وأن من أهمها نظرية التكوين ((Transformational leader أي بالجهد الذي يبذله القائد على نفسه ليكون قائدا، وعندها سيجد المدد الإلهي إن أراد بذلك مرضاة الله تبارك وتعالى.

 

 

وإلى الآية 110 من سورة المائدة: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)

تأتي هذه الآية في سياق الآية التي سبقتها 109 والتي تصف مشهدا من مشاهد يوم القيامة (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) حيث يتوجه المولى عز وجل للرسل بسؤال عام عما أجابتهم أقوامهم في الحياة الدنيا فيردوا العلم إليه وحده، ثم يتوجه الله U لواحد منهم كمثال تفصيلي على السؤال التالي لكل رسول على حدة (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا) – النساء 41 – ، وكما يقول المفسرون أن اختيار الله تبارك وتعالى لهذا الرسول الكريم عيسى بن مريم كان (والله أعلم) لأن الناس من بعده قد فتنوا به فتنة كبيرة، وما نزال نشهد آثارها إلى اليوم ما بين مؤلِّهٍ له (النصارى) ومكذب به (اليهود) ومؤمن به إيمانا صحيحا كما أراد الله (المسلمين)، والأرجح كذلك أن هذا السؤال يكون ضمن مشاهد يوم القيامة، لتوبيخ وتقريع وفضح الفئتين الأوليين وتطهير وتصديق الرسول (عيسى عليه السلام) و المؤمنين به نبيا ورسولا.

تبدأ الآية بظرف الزمان إذ (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) والتي هي بدل من قوله تعالى في الآية السابقة (يوم)، وقد جاء الحديث هنا بصيغة الفعل الماضي (قَالَ): للتأكيد على أن ما سيأتي بعده كائن على الحقيقة، وكأننا قد عشنا اللحظة التي سأل الله فيها هذا السؤال يوم القيامة، وأنه يذكرنا بما حدث، فعلم الله محيط بما كان وبما يكون وبما سيكون، والخطاب في ذلك اليوم سيكون لعيسى عليه السلام على مسمع من الناس جميعا، وقوله تعالى (ابْنَ مَرْيَمَ) هو لمزيد من التوبيخ لكل من رفعه إلى مكانة غير هذه الحقيقة سواء من التأليه، أو لمن اتهم أمه مريم البتول الطاهرة بأي اتهامات باطلة، وفي هذا اليوم لا كلام إلا ما كان حقا وصدقا، (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) – النور 24 –، ويبدأ المولى U بعد ذلك بتذكير عيسى عليه السلام بنعمه عليه، وهو بالتأكيد لم ينس ذلك، ولكن لإقامة الحجة على من افترى عليه الكذب من النصارى واليهود (اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ) وقد أفرد القرآن كلمة النعمة لأنها تعبر عن مجموع النعم التي سيأتي ذكرها في الآية فهي جنس النعمة وليست نعمة واحدة (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ)، وهذه هي النعمة الأولى، وهي التأييد والتقوية في هذا الموقف العصيب الذي لا تملك مريم أن تقول فيه شيئا لتدافع عن طهارتها ونقائها أمام أرجاس يهود، وهي تحمل طفلا وليدا في المهد، وقد أُمِرت بإعلان الصوم عن الكلام، فيكون التأييد بروح القدس وهو على أرجح الأقوال جبريل u ، فينطق هذا الطفل بكلام بليغ فصيح (قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا ،،، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا ،،، وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَتِي وَلَمۡ يَجۡعَلۡنِي جَبَّارٗا شَقِيّٗا ،،، وَٱلسَّلَٰمُ عَلَيَّ يَوۡمَ وُلِدتُّ وَيَوۡمَ أَمُوتُ وَيَوۡمَ أُبۡعَثُ حَيّٗا) – مريم 30-33- ، هذه هي الكلمات التي لم يقل غيرها، والتي يعلن فيها براءة أمه الطاهرة، وفيها دعوة إلى الله، وفيها إشارة واضحة إلى أنه سيعيش حتى يبلغ رسالة ربه إليهم، ثم يكمل عيسى حياته حتى يبلغ الثلاثين على الراجح، فيبعثه الله نبيا ورسولا إلى بني إسرائيل، وذلك بعد أن مَنَّ الله عليه بعلم الكتابة والحكمة والتوراة والإنجيل (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ۖ) وقد سبق الحديث عن هذا في الآية السابقة أعلاه – وقد عاش عيسى u في قومه إلى أن صار كهلا، حيث إن فترة الكهولة تبدأ من سن الثالثة والثلاثين، ويجوز أن يكون في ذلك إشارة إلى إعادته إلى الدنيا مرة أخرى ليقوم بالمهمة التي تشير إليها الأحاديث النبوية من كسر الصليب وقتل المسيح الدجال – والله أعلم – ، ثم يأتي ذكر النعم التالية المتعلقة بالخلق وشفاء المرضى وإحياء الموتى، وتجدر الإشارة هنا إلى البيئة التي بعث فيها عيسى عليه السلام إلى قومه، حيث كانوا على قدر من العلوم والنبوغ في علوم الحياة والطب وغيرها، فكان تعليمه الكتابة والحكمة ثم إمداده بالمعجزات التي لها من السلطان وقوة الحجة ما يرد الناس إلى حقيقة الألوهية، وأن الله هو وحده القادر على حقائق الحياة، فكما أن موسى u أمده الله بمعجزات العصا واليد، فكان تأييد عيسى u بهذه المعجزات بعد تأييده بروح القدس، ونبدأ بالمعجزة الأولى (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ )، والخلق في اللغة هو التقدير بجعل الشيء بمقدار معين، ومنه خَلْقُ الكذب (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ) – العنكبوت 17 – ، ولكن عيسى لا يفعل ذلك من نفسه بل بإذن الله، فهو يقدر مقدارا من الطين ويجعله كهيئة الطير، و تذكر الروايات أن اليهود طلبوا منه الخفاش كأعجب أنواع الطير (فلا ريش له، وهو يلد ولا يبيض)، ويأتي الإذن من الله بالنفخ في هذه الهيئة الطينية، ليكون هذا سببا في تحقيق القدرة الإلهية لتكون طيرا حقيقيا يطير أمامهم في السماء، فيرونه بأم أعينهم يتحول من طين إلى طير، ولكن عيسى u  في كل هذا يرد الأمر إلى الله وليس إلى نفسه، فهو رسول الله ليريهم قدرة الله على الخلق، ثم يتبع ذلك بإظهار قدرة الله U على الشفاء التام للأمراض التي ظن أفذاذ الأطباء في زمانه أن لا شفاء لها (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ)، والأكمه هو من وُلِد أعمى وبعضهم أضاف مَنْ عَمِي بعد ذلك، والأبرص من كان في جلده بياض متفاوت في المقدار والشدة، وذلك بالدعاء الخالص لله لشفاء هؤلاء المرضى، فكان الشفاء الذي لا يبقي سقما ولا أثرا للمرض، وهنا فقد أدرك الأطباء أن ما يحدث على يد عيسى ليس من عنده وليس مهارة علمية أو عملية بل من عند الله، وذلك كما حدث مع سحرة فرعون، لأن ما حدث مع موسى هو إخراج للعصا عن حقيقتها إلى حقيقة أخرى (فَأَلْقَىٰهَا فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ) – طه 20 – ، ثم تكون المعجزة الأخيرة لبني إسرائيل هي إحياء الموتى (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ) والتأكيد مرة أخرى أن ذلك هو بإذن الله، هي الآيات المادية التي طلبها بنو إسرائيل فكانت واقعة أمامهم، وهو الرسول الروحاني الخلق والخلق والرسالة، إلا إن الكثير من بني إسرائيل أصروا على العناد والكفر ومحاولة إلحاق الأذى بهذا النبي الكريم، فكان التأييد (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ)، فالله Y قد تكفل بعصمة رسله من الأذى حتى يبلغوا رسالته للناس، فهذا شعيب عليه السلام (وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) – هود 91 – ، وهذا رسول الله ﷺ (وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ) المائدة 67 – ، وهذه سنته حاضرة مع عيسى u ، فقد كفَّ أيادي المجرمين من بني إسرائيل أن تصيبه بأي أذى حتى يبلغ رسالته، وحتى يأتى بالآيات كاملة، إلى أن جاء أمر الله U برفعه من بينهم حين تآمروا على قتله فأحبط كيدهم ورده في نحورهم، وكان جوابهم النهائي لهذه الرسالة ولهذا الرسول (فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)، هذا جواب كل المجرمين والكفار والمعاندين لرسلهم (كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) – الذاريات 52 – ، وحين تنقطع السبل بالذين كفروا فلا يجدون ما يحاجون به رسلهم يكون الافتراء والإفك والاتهام جاهزا: هذا سحر واضح!!، والرسول ساحر أو مجنون.

 

الكاتب: الدكتور محمود شاكر