هل يشكل الصيام خطرا على صحة الحامل أو جنينها ؟
منذ أن خلق الله آدم من تراب ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، والنساء تمر بهذه العملية الفسيولوجية الطبيعية لإعمار الكون بأبناء آدم وأحفاده إلى الأجل الذي جعله الله نهاية لهذا الوجود الدنيوي، والانتقال إلى دار أخرى، دار المعاد والاستقرار. فالدنيا دار ممر والأخرى دار المستقر.
هذا النسق من التكاثر كما أراده الله يمر بمراحل عدة قد أجملها القرآن الكريم في الآيات التالية من سورة المؤمنون: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14).
هذه هي المراحل المجملة والتي تفصلها الكتب الطبية بشكل كبير من خلال أسابيع الحمل الأربعين عند غالبية النساء بزيادة أسبوعين أو نقصهما حتى يرى النور هذا الإنسان، لتبدأ الدورة مرة أخرى.
ويصور القرآن الكريم مرة أخرى مراحل الحمل بشكل آخر من خلال تأثيره على الأم (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) هنا يبين المولى عز وجل أن الأم الحامل تمر بفترات ضعف، يزيد كلما تقدم الحمل حتى الميلاد السعيد، ويصور القرآن بأسلوب آخر أكثر اختصارا مرحلتي الحمل والولادة (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) أي ضعفا ووهنا.
ويفصل القرآن جانبا آخر من مراحل العمر التي يمر بها هذا الإنسان وهي مرحلة الرضاعة، والحاجة الماسة للنمو خلالها وكذلك من خلال تحديد الفترة الزمنية الأنسب وهي (في عامين) أي أكثر من عام ولا تزيد عن عامين، ومن عجيب القرآن وبتمعن الآيتين أن أقصر فترة مقبولة للحمل هي 6 أشهر.
فالحديث عن الحمل والرضاعة يحتاج إلى مساحات واسعة ولكنني سأعرج على جانب منه في هذه العجالة والمتعلق بتاثير صيام شهر رمضان على الحامل فوائده أم مضاره.
ولأن الصوم عبادة من العبادات التي فرضها الله على أمة محمد وكذلك على الأمم السابقة فالكثير من السيدات المؤمنات يتخذن القرار الشخصي بالامتثال لهذا الفرض الالهي والتعبد والتقرب به إلى الله.
وقد قامت بعض مراكز الأبحاث بعمل دراسات لاستكشاف الآثار المترتبة على الصيام في نهار رمضان وخلصت إلى:
على الإجمال لا يوجد خطر مباشر على عملية الحمل بمراحلها المختلفة، ولا على الجنين كذلك، بل هناك فائدة أن الصيام أثناء الشهور الثلاثة الوسطى من الحمل يقلل من مخاطر حدوث سكري الحمل.
ورغم ذلك فإن الشرع الحنيف أباح للحامل أن تفطر في أيام رمضان إذا خافت على نفسها ضعفا ووهنا، ولم تستطع إتمام الصيام، على أن تصوم بدلا منها أو إخراج الفدية وذلك بعد استشارة الأطباء المختصين والعلماء بناء على الحالة الخاصة بكل سيدة على حدة وهذا ينطبق على مرحلة الإرضاع كذلك.
ومن الطبيعي أن تتعهد السيدة الحامل نفسها بالطعام المتكامل مع المكملات الغذائية التي ينصح بها الطبيب المتابع للحامل، مع ضرورة الالتزام بوجبة السحور المحتوية على الكثير من السوائل والأغذية المحتوية على الطاقة التي تهضم ببطء للحفاظ على مصدر مستمر للطاقة أثناء النهار مثل الخبز المصنوع من القمح الكامل والبقوليات أو الفستق غير المملح، والإقلال من الأطعمة المملحة للمحافظة على الارتواء أثناء النهار، وعدم التعرض للأجواء الحارة وعدم بذل المجهود المؤدي لإفراز العرق واستهلاك الطاقة حتى لا يؤدي ذلك للجفاف. إن الاعتدال في الحياة عموما هو ما يتناسب مع القانون الكوني لما يصلح به الإنسان والأرض وكل المخلوقات، والله تعالى يقول (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)
كتابة: الأستاذ محمود البرهان